التطور السريع في مجال الرقمنة والتحول الرقمي فرض واقعا جديدا على أغلب قطاعات العمل إن لم يكن أغلبها، لم يكن غريبا في الماضي القريب ان تحرص الشركات الكبرى على تدريب موظفيها ضمانا لأن يكونوا على أعلى مستوى من المهارة الفنية والإدارية، حتى بلغت ميزانيات التدريب ربما ما يقارب ميزانية الأجور، كانت رحلة واحدة تدريبية لأوربا أو أمريكا كفيلة بأن تضع الموظف على أعلى سلم العلم في مجاله عدة سنوات، التحدي هذه الأيام ان التطور قد تزايدت وتيرته، اصبح العمر الافتراضي للمهارات المكتسبة ربما نصف عمرها الأسبق، بمعنى آخر اصبح لزاما على الجميع لكي يبقوا في السباق ان يكونوا متعلمين للأبد، وإن قصر العمر الافتراضي للمهارات فقد صاحب ذلك تطور إيجابي وهو إنخفاض في التكاليف كبير جدا، لم تعد الشركات بحاجة إلى تسفير الموظف خارج البلاد عدة أسابيع لاكتساب احدث المهارات، كل شيء تقريبا اصبح متاح عبر شبكة الانترنت وبكل الصور، تعليم سلبي وتعليم تفاعلي وحتى التوجيه الشخصي حيث يلتقي المتدرب بمدربه وجها لوجه كل ذلك اصبح متاحا بتكلفة أقل جدا.
في آخر تقارير جارتنر كشفت استطلاعات الرأي بالشركات العاملة في كافة القطاعات ان عدد المهارات الإضافية المطلوب ان يتعملها الموظف ويتقنها تزداد بنسبة 10% سنويا وان اكثر من نصف هذه المهارات هي مهارات حديثة حلت محل أخرى تقادمت وأصبحت اقل قيمة ومساهمة في العمل!
جائحة كورونا سرعت عملية الرقمنة في قطاعات كثيرة، ففي مصر على سبيل المثال ليس الحصر انتقل كثيرين إلى التجارة الاليكترونية دون تخطيط مسبق، تحولت بعض الشركات التجارية الكبرى الى البيع للمستهلك مباشرة لأول مرة، قدمت كثير من الهايبرماركت الكبيرة خدمات البيع عبر الانترنت او طورت مواقعها لتقبل الدفع أونلاين والتقسيط، كل هذه التغييرات تطلب اكتساب العاملين مهارات جديدة، خدمة العملاء على سبيل المثال اصبح عليها ضغط اكبر من المعتاد، ومع سعي أصحاب الاعمال لضغط التكاليف، تزداد الضغوط على الموظفين الذين وجدوا انفسهم مطالبين بتعلم مهارات جديدة والتعامل مع اعداد اكبر من المعتاد.
كل ذلك يضع على إدارات لم يكن التدريب جزء مهم من تفكيرها عبء ان تخطط جيدا، وأن تكون تصور كامل عن المهارات التي من المفترض ان يتقنها الموظف وافضل الاستثمارات هنا الاستثمار في المهارات الحياتية التي تفيد أيا كان مجال عمل الموظف، لم تعد ميزانيات التدريب “إختيارية” بل أصبحت جزء أصيل من ميزانية أي شركة تريد ان تنافس فعلا وتحقق أفضل نتائج بالسوق، ويلزم لتلك القطاعات الجديدة أن تتعلم ممن تمرسوا في ذلك من قبل وأقصد تحديدا شركات التكنولوجيا والاتصالات الكبرى فعلى إختلافهم يعد التخطيط للتدريب من اول تصميم الشكل المثالي للمهارات المطلوبة لكل وظيفة، إلى طرق قياس مهارات الموظف مقارنة بالشكل المثالي، ثم تحديد الفجوات بينهما ووضع الخطط التدريبية اللازمة لسد تلك الثغرات ثم تقييم نتيجة التدريب من جهتي تقييم التدريب نفسه وتقييم التحسن في أداء الموظف وهي عملية مستمرة تحدث كل عام مع تقييم الأداء السنوي، فالأمر له أسس وقواعد معروفة.
المهارات الضرورية او الحياتية والتي تفيد كافة الموظفين بدون استثناء معروفة ويأتي على رأسها: مهارات التواصل، القدرة على التعلم والإنفتاح على مبدأ إعادة التعلم، وأخيراً “التفكير النقدي” ، ولو أن هناك مهارة واحدة فارقة في قرارات الانسان “كلها” لكانت هي مهارة التفكير النقدي! القدرة على تحليل المواقف، القدرة على ربط الأحداث ببعضها، القدرة على النقاش المنطقي وإدراك مصالح الأخرين وراء أفعالهم وأقوالهم ، وأخيرا القدرة على تكوين رأي “ًصائب”، هذه المهارة وحدها هي الفارق بين ان يكون موظفك أحمق يكلفك الغالي والرخيص بسبب حماقته أو ان يكون حاذق قادرعلى أن يتخذ دائما القرار “الأصوب”.
وعلى ذلك فمن الضروري أن تكون المهارات الحياتية على رأس ما تهتم جهات العمل بتوفره في الموظف عند التعيين، وأن تقدم من التدريب ما ينميه بالإضافة إلى التدريب المتخصص وأعني به تدريب على مهارات بعينها تلزم لأداء وظيفة معينة، والنوع الثالث من المهارات هي المهارات الحديثة التي تفرضها التطورات التكنولوجية سواء كانت مهارات رقمية أو مهارات غير رقمية تتولد الحاجة إليها كنتيجة للتطور الرقمي.
للحصول على أفضل النتائج بأقل التكاليف توصي الشركات المتخصصة في التدريب بأن يحصل الموظف على 70% من التدريب من خلال التعلم الذاتي بتكليفه بمهام معقدة او بالعمل ضمن مجموعة في مشروعات تتحدى مهاراته أو التناوب الوظيفي ، 20% من خلال الإرشاد أي التعلم من أقرانه ومديريه الأكثر خبرة، او التعلم عبر شبكة الانترنت، 10% تدريب نظامي حيث يشارك الموظف في فصول تدريبية تعليمية.
التعلم المستمر والتدريب وإعادة التدريب أصبحوا جزء لا يتجزأ من واقع قطاع الأعمال، ولا سبيل لترقي أو تقدم دون القبول بذلك والإسراع للحاق بقطار التقدم الذي لن يتوقف لينتظر أحد!
اترك تعليقًا