صديقتي العزيزة تنحدر من نسل شريف لا تذكره أبداً، لا تتخذ لنفسها مكانة أو ميزة بسببه حتى أني علمته بالصدفة وبعد عشرات السنين من الصداقة. لجدها الأكبر مقام يزوره الزائرون حتى يومنا هذا، وهي لا تتحدث ابداً عن ذلك.
لكن العطر الطيب يسري وإن لم ترى أعيننا الزهرة. طوال هذه السنوات كنت وما زلت اصفها بكلمة واحدة “نسمة” لم ارها يوماً على خلاف مع أحد “أي أحد” !
لم أرها يوماً تذم أحد، أو تغتاب أحد، أو تشتكي من أي شخص أو موقف، وفي فترة الانشغال الرهيب في حياتي بعملي لم تفلت يدي، وأقولها دائماً أن فضل بقاء صداقتنا يرجع لها. تتصل ولا أرد لأني اعمل 14 ساعة وأكثر أحياناً اعمل طوال ساعات الليل وبالنهار مقيدة بإجتماعات، وثلاث ساعات امضيها في الطريق بين البيت والعمل، وهناك مسئوليات أخرى بالبيت. تتصل لا أرد رغم أني “أحتاج” فعلا أن أرد. أقول سأتصل بها غداً. بين كذا وكذا سأطلبها. فتأتي “كارثة” أو مهمة طارئة فلا تتصل. لم تغضب يوماً لم تحاسبني لم تلومني. إذا تكملنا واعتذرت لها طيبت “هي” خاطري ودعت لي أن يعينني الله على ما أنا فيه.
وقبل ان يذهب بك الخيال انها كانت ربما “منتفعة” مني بصورة ما، فوالله إنها أقل أقل من أفاد من صحبتي في أمور الدنيا لكنها هي وصديقة أخرى رحمها الله وثالثة رزقني الله صحبتها لسر يعلمه اقتسموا قلبي ومحبتي. رزقي النفيس الذي احمد الله أن نبهني إليه قبل ان ينقضي العمر وأنا لا أدركه!
الإنسان النقي نادر، ومن أحبه الله أخفى سره عن الناس. وأظنها تعي ذلك تماماً لذلك لا تتكلم ابداً عن نسبها وأن تكلم بكل شيء فعلها لمن ألقى السمع وهو شهيد.
طباع الناس مختلفة وقيمهم مختلفة، أن تجد من يشاركك نفس قيمك “صدقاً”، لا إدعاءً نادر! وفي أوقات الإنحطاط تسوء أخلاق الناس أكثر! ويندر أكثر وأكثر أن تجد الانسان الصالح الذي لا تحركه مشاعر كريهة! يذهلني أن كثيرين وقودهم الأساسي في الحياة مشاعر سلبية، غيرة ، حقد ، حسد، شعور بالنقص، مشاكل نفسية … إلخ
وإذا كانت هذه “مدخلات” العمل فماذا تتوقع من مخرجاته.
وكيف لا تشعر بغربة وأنت دائما تجد نفسك اكثر انسجاماً واتساقاُ مع من يختلف عنك في الدين والثقافة والبلد، لكنه “سوي” وملتزم أخلاقياً وقيمياً. ناس ترى الكذب جريمة، لا تعرف اللف والدوران، تقدر النجاح والناجح بلا مواربة ولا استغلال، وتقر لصاحب التميز بتميزه دون “عُقد”.
أيام قليلة من العمل معهم وبرغم طول الساعات والارهاق الذهني والبدني وقلة النوم إلا أنها تعيد شحن روحك، فمعهم تفكيرك في عملك فقط، لا تحمل هم “المٌعقد”، ولا تفكر في ما قاله “الكذاب” وما يدبره “الحاقد”، وأثر تأخر “الكسول” على مهامك ! تدرك أن جزء كبير من روحك التي لم تعتنق أيا من هذه السلوكيات ابداً، مستهلكة ومرهقة من التعامل مع الكذابين و المنافقين ومن يقولون ولا يفعلون. ورغم الشحنة الإيجابية تبقى الغصة في الحلق من حالنا الذي لا يسر إلا العدو، وأجد نفسي أقول رحم الله رفاعة الطهطاوي عندما لخص الأمر في جملة موجزة خالدة: “وجدت هناك مسلمين بلا اسلام، وهنا إسلام بلا مسلمين”
بارك الله في الأتقياء الاخفياء ولا حرمنا رعايتهم، الذين يثبتنا الله بهم لنظل مدركين ان الدين والايمان اكبر النعم رغم أنف “المنافقين” الذين أبتلينا بالعيش معهم!
اترك تعليقًا