لا أدعي مثالية ولا أتوقعها من الآخرين لكني لا أستسيغ أبدا ان يكون المعلم كاذب أو أن يكون المتصدر للعمل الخيري “شرير وحاقد على البشر، لكن واقع الحياة أن النموذجان موجودان بدرجة ملفتة للنظر ساهم في ذلك تيسر سبل “الخداع” من شبكات تواصل تضخم مكانة الأفراد بمعايير مختلة الجودة ويزيد الطين بلة طبيعة التعليم في بلادنا والتي حرمت الأغلبية من مهارات التفكير النقدي والتحليلي، فيتصرف الأغلبية تصرف الإمعة، يسيرون كالقطيع مع الرائج دون عقل متفرد أو تفكير فردي قبل الحكم!
صادفني منشور على الفيسبوك هوإعلان مقنع لأهمية دور المدربين الشخصيين في حياة الناس، لا ضرر من أن يعلن الانسان عن عمله ويحاول إجتذاب عملاؤه لكن المضر أن يتم ذلك من خلال التكريس ضمنياً إلى وهم يعشقه الكثيرون بأن هناك حلول سحرية، وأنه يمكنك إزاحة مسئولية حياتك ليتولى شخص آخر قيادتها بدلا منك. نال المنشور إعجاب الآلآف وشاركه آلاف أخرى إما من طائفة “الشخص الحكيم” أو بمعنى آخر “الكوتشز” والذي يروج المنشور لمهنتهم أو من أشخاص عاديين يبحثون عن شماعة يعلقون عليها مشاكلهم ويسعدهم التهرب من مسئولياتهم نحو أنفسهم!
المنشور من وجهة نظري يطعن في كفاءة كاتبه كمرشد حكيم ويخبرنا ببساطة أنه لا حكيم ولا يعرف أساسيات مهمة المدرب. المرشد الشخصي ليس دوره أن يتخذ القرارات الصعبة نيابة عنك! وليس هو طبيبك النفسي الذي يتوجب عليه أن يستمع إليك بهدف أن يحسن من مشاعرك. المرشد الشخصي دوره أن يساعدك في رحلة “التغيير” .. إذا لم تكن تسعى للتغيير فلا تذهب لمدرب شخصي، إذا كنت تريد طبطبة و”معلشات” فهذا دور صديقك الحميم، والديك أو ربما المعالج النفسي.
المدرب مهمته أن يدربك على تغيير طرقك التقليدية في التصرف إلى طرق جديدة مجربة وعلمية وناجحة لتحقق “أهدافك” .. دوره أن يشجعك في رحلة التغييرلأن ترك المألوف صعب، دوره أن يستمع إلى ما تواجهه من عقبات ويعلمك ماذا “تفعل؟” كيف “تقرر؟” يشاركك خبرته في الحياة ومهاراته “لتتعلمها” .. لتدير حياتك بنفسك، وتتخذ القرارات التي تناسبك وفق معطيات حياتك أنت، وتتحمل نتائج هذه القرارات كاملة بكل مسئولية.
من يوهمك أو يحاول أن يملي عليك قراراتك لا يحسن أداء مهمته ولا يؤديها بالأمانة المطلوبة! يريدك في حاجة دائمة إليه، وإلى وجوده.
الشخص الحكيم هو من يعلمك كيف تفكر في مشكلتك كيف تراها من عدة زوايا كيف تحسب تكلفة كل قرار والعائد منه ثم تتخذ بملء إرادتك القرار المناسب وأنت مستعد لتحمل تكلفته وجني عوائده غير ذلك محض هراء.
للأسف هذا المجال يغص بالمزيفين فهو مهنة من لا مهنة له، هناك جهات عدة تمنح شهادات هي صك المرور وحمل لقب، وعلى أهمية المحتوى العلمي المقدم لكنها في رأي غير كافية. ,, الشهادات تعبر عن عدد ساعات اجتازها المتدرب في تلقي المادة العلمية وعدد ساعات تطوع بها في “إرشاد” آخرين .. إلخ من معايير تضعها الجهات المختلفة فتمنح صك الحكمة لمن سدد الرسوم وأستوفي الشروط. فهل يجعله ذلك حكيماً بالفعل؟!
الإرشاد أكبر من كل ذلك، أساسه خبرات الإنسان الفعلية وما عايشه وتعلمه وواجهه ومارسه بالفعل ونجح فيه، لا يعقل أن يدرب المديرين مثلا شخص قرأ عن الإدارة أو تعلمها ولم يمارسها ! نعم العلم مهم لكن التجربة العملية أهم!
وليس كل صاحب تجربة مؤهل لهذا الدور، المرشد لابد وأن يمتلك خصال “أصيلة” لا يصطنعها ولا يجاهد نفسه ليختلقهامنها حب المساعدة الصادق فلا يمكن أن يكون “تنافسي” الطبع مثلا ويمتهن هذا العمل!
الإرشاد عمل يناسب من صدقا لا يتضررون أن يروا من حولهم في أفضل نسخهم، من يقدمون المساعدة والفكرة والنصيحة ويمضون في طريقهم لا ينتظرون من وراء ذلك جزاء ولا شكوراً. النصح والإرشاد في طبيعتهم قبل أن يكون مهنة وعمل، من يلجأ إليهم موظفيهم، أقاربهم وأصدقائهم طلباً للنصح لأنهم في أعينهم أصحاب بصيرة وحكمة، من لا يحزنهم أن يتفوق التلميذ على الأستاذ، ولا يعكر صفوهم أن التلميذ نسى أستاذه أو ما قدمه له. لأن الأستاذ الحقيقي “أستاذ” لا يضيره أيا من ذلك!
في نهاية مقالي أضع المنشور المذكور مع سؤال بسيط، ماذا لو لم تكن إبنة وكان إبن؟ كيف سيكون تلقي “الجماهير” المؤيدة للأم “الحكيمة” وكل من تمنت وهي تقرأ وجود “شخص حكيم” يدير حياتها .. أعتقد أن التأييد كان سينقلب لعنات والأم الحكيمة ستتحول بقدرة قادر إلى حماة متسلطة وماري منيب .. لأن الجماهير للأسف “جاهلة” لا تدرك أن الأم الحكيمة ليست من تتخذ القرارات نيابة عن أبنتها بل هي من تربي الأبنة القادرة على إتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وتدعمها وتقف معها “أيا” كان قرار الإبنة لأنها من ستسدد ثمنه كاملاً وليس الأم.

اترك تعليقًا