يعتبر الإرشاد واحد من أهم أساليب الإدارة، ولا أدل من ذلك على الزيادة المستمرة في عدد من يعملون في مجال إرشاد الإدارة العليا. منذ عشرون عاماً نشر دانيال جولمان مؤسس علم الذكاء العاطفي نتيجة دراسات إدارية عرض فيها أنماط الإدارة المختلفة وذكر منها نمط الإدارة بالتوجيه والإرشاد وعلى الرغم من انه كان من أنجحها على صعيد تحسين أداء الموظفين وثقافة المؤسسة ونتائجها الفعلية إلا أنه كان أقل الأنماط تطبيقاً !
شرح جولمان أن المديرين يتذرعون بضيق الوقت وأن الضغوط المتلاحقة عليهم لا تسمح لهم بإنفاق الوقت في جهد الإرشاد الإضافي! تصور أنهم كانوا يتكلمون عن ضغوط العمل وضيق الوقت عام 2000 فما بالك اليوم وقد أصبحنا أسرى هواتفنا التي تربطنا برحى العمل 24 ساعة دون إنقطاع!
في عام 2001 أجتزت إختبار للمهارات الإدارية بهدف التعرف على نقاط ضعفي والعمل على تحسينها بالتدريب المناسب لأعلم بالصدفة أن أقوى جانب إداري عندي هو الإرشاد، حصلت على تقدير 95% في هذا الجانب، ولذلك أسباب منها أن أول مهمة إشراف توليتها كنت في الرابعة والعشرين من عمري ومن أشرف عليهم منهم من هو في نفس عمري أو أصغر، وكان من مهامي تدريبهم تدريب تقني إلى جانب الإشراف على عملهم. تقارب السن وطبيعة المهمة خلقت مني شخص يدير بالتعليم والإرشاد ! والحمد لله وفقني الله في هذه المهمة بما فاق توقعات من أسندوها إلي، وصاغ ذلك أسلوبي في الإدارة بعد ذلك لأهتم دائماً بفريقي وأرى ذلك مهمتي الأولى وأنهم متى توفرت لهم المعرفة الكافية والدعم والتشجيع والتفهم فهم قادرين على تحقيق الأهداف المنوطة بنا كفريق بلا توان. ولم تخذلني أبداً هذه الفلسفة – التي مارستها قبل أن تنتشر هذه المسميات.
غولمان محق تماماً فيما قاله من ندرة هذا الأسلوب في الإدارة فلم أصادف من ينتهجه إلا مرتين في تاريخي الوظيفي الممتد لأكثر من عقدين والحق أني من الندرة المحظوظة بالعمل مع مديرين ممن أهمهم أن يكون موظفيهم أفضل مما كانوا عليه بنهاية كل عام وأن وتكون هذه أولوية تسبق تحقيق مؤشرات الأداء، لأنها ببساطة هي أكثر السبل إنسانية وتحقق الأهداف ولكنها كما أظهرت دراسة جولمان تتطلب وقت وجهد ومثابرة، وقبل كل ذلك ذكاء عاطفي !
المدير المرشد ينفق جزء كبير من وقته في فهم فريقه كل منهم كفرد، ما هي نقاط قوة كل منهم؟ ما هي نقاط ضعفه؟ كيف أوظفه في المكان الصحيح وأضعه في المهمة المناسبة؟ ما الذي يحمس هذا الموظف؟ ما الذي يحفزه على بذل آخر ما عنده من جهد؟ ما الذي يطمح إليه؟ ما هي أهدافه؟ كيف اجمع بين أهدافه والمطلوب منا كفريق؟
المديرين في أغلبهم يتعاملون مع فرق العمل كأدوات صماء، توزع عليهم المهام ويحاسبون على أدائهم ويتم توجيههم بأحسنت أو أسأت، بدرجة أو أخرى، لكن لا يتم التعامل مع الموظف على أنه “إنسان” له كيان وطباع وأهداف وأن كل ذلك مهم !
لا يختلف في ذلك الأمر بين بيئة العمل المحلي أو الدولي، فقد عملت في البيئتين، فالأمر مرتبط بثقافة الإدارة أكثر من ثقافة المجتمع. أن يكون المدير معلم ومرشد هو إختيار، يضع عليه أعباء ومهام ربما لا تشكل جزء من تقييمه السنوي، لكنها قطعاً تؤثر في نتائجه العملية والأهم من ذلك أنها في صحيفة أعماله! كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
لا أنسى مقولة لواحد من أنجح المديرين الذين عملت معهم: “المدير الناجح كالأب والأم هدفه أن يكون الموظف أحسن منه” قيل لي مرة أنتي تديرين “كأم” ولا اعرف هل قاصد القائل مدحاً أم ذم .. لكن كان هذا في نظري مدحاً وتذكرت معلمي ومديري قائل العبارة !
إذا كنت في موقع مسئولية عن آخرين، فهؤلاء مسئوليتك الأولى، وأدائك لمسئوليتك التي كلفك الله بها لابد أن تكون أولويتك الأولى وأبشرك أن نتائج ذلك على العمل هي دائما أداء إستثنائي للفريق، وإن تطلبت منك جهد أكبر من العادي.
كُن معلم ومرشد لمن يعملون معك سواء فريق عملك أو زملائك، لا تضن بخبرة، أو معلومة ولا تستكثر أن “تهتم” بأن يتغير من يعملون معك لأشخاص أفضل وأن تؤدي رسالتك نحوهم كاملة غير منقوصة ففي ذلك أجر وبركة تفوق المكاسب المادية.
اترك تعليقًا