~~من مقال: هتك الستر.تأملات في دنيا الله.. د. مصطفى محمود رحمه الله
و لكل منا وجه إلى الناس و وجه إلى الله .. و ذلك الوجه الثاني هو سره .وانتهاك هذا الوجه عدوان، و طمع من الحبيب فيما ليس له .
و لهذا أشعر دائما بأن من يحاول أن يقتحم المسافة بيني و بينه باسم الحب .. إنما يفعل ذلك بحكم الكراهية و ليس الحب، و ذلك هو الحب الأناني الذي يريد في واقع الأمر أن يتخلّص مني و يستهلكني و يستنفدني و يقضي علي .
و تلك هي القسوة المقنعة التي نتبادلها باسم الحب و العدوان الذي نباشره باسم العشق و لهذا ضرب الله لنا مثلا على الكمال باسمه العزيز فهو سبحانه العزيز الذي لا يُنال.و على من يريد أن يكون كاملاً أن يكون هو الآخر عزيزاً لا يُنال؛ فالعزة و المنعة من صفات الكمال، و الشيوع و الانكشاف من صفات الابتذال.
.و من هنا وجب أن تكون هناك مسافة بين الأحباء، و أن يكون الحب قرباً و ليس اقتحاماً.وتلك المسافة هي التي أسميتها الاحترام .. حيث يحترم كل واحد سر الآخر، فلا يحاول أن يتجسس عليه .. و يحترم ماضيه و يحترم ما يخفيه في جوانبه، و يحترم خصوصيته و خلوته و صمته، و يحاول أن يكون ستراً و غطاءً، لا هتكاً وتدخلاً و تلصصاً و نشلاً!فالحب عطاء اختياري حر ، وليس مصادرة قهرية وسلباً واغتصاباً،
و في هذه الحرية جوهر الحب..
—————————————————————————————————-
د. مصطفى محمود من الأشخاص الذين أدين لهم بالفضل في تكوين شخصيتي وأفكاري، بعد أبي وأمي، قرأت كتبه كلها تقريباً في مراهقتي وأول سنوات الشباب، فقد كان لكتبه حظ وافر في مكتبة المنزل، وكانت أيضا متاحة في مكتبة المدرسة، وبين كتب البيت وكتب المدرسة أظن أني قرأت كل ما كتب، وقرأته في سن صغير فانطبعت كثير من أفكاره وأثرت في تكويني، عندما أصادف إقتباس من كتبه ومقالاته كالإقتباس السابق لا أشعر فقط بأن هذه الكلمات تعبر عني، أشعر بألفة أكبر من ذلك كثيراً، أشعر أنها أفكاري وأني من كتبها. يحدث كثيرا أنا أقرأ كلمات احتفظت به ويتوه عقلي هل هي كلماته أم أفكاري؟ أم أنها كلماتي وقد شربت من أفكاره!
رحمة الله عليك يا دكتور، وجزاك الله عنا خير الجزاء،الكتابة كانت أبسط أعمالك – في رأيك-كنت تستهين بها وتتسأل كما سمعتك في حوار قديم : “هاقابل ربنا بشوية كلام؟” .. ووالله إن كلماتك قد بارك الله فيها، فعاشت أزمان، وربت وعلمت وأثمرت في الآف الآف وبقيت لك صدقة جارية لا تنقطع طالما هناك كتاب وقاريء.
اترك تعليقًا