في التدوينة السابقة “لست محور الكون” توقفنا عند سؤال ما هي الأنشطة المجددة للروح، والتي تمنح الفرصة لمهارات الذكاء العاطفي أن تتولى قيادة تصرفات الإنسان؟
– الصلاة والتأمل. الصلاة تجدد الروح. لكن أي صلاة؟ ليست الصلاة الروتينية، أداء الواجب وإسقاط الفرض، العامرة بالطقوس المفتقرة للحضور!
الصلاة الشافية المجددة لروحك هي التي “تقيمها” بروحك قبل أن تؤديها جوارحك، فيكون قلبك فيها حاضراً فترفع من منسوب الطاقة الإيجابية بداخلك وتهديء نفسك.
كذلك التأمل والتدبر في الكون وأيات الله. بإختصار صلتك بالله – الحقيقية- وإستشعار القرب منه سبحانه وتعالى يمنحك الكثير من الهدوء النفسي والإتزان.
– مساعدة شخص آخر خاصة من في ضيق أو إحتياج. المشاعر الإنسانية معدية؛عندما تملأ نفس شخص آخر بالسعادة والرضا ينالك نفس القدر-وربما أكثر- من السعادة والرضا.
– التواصل مع الطبيعة . نزهة في حديقة، جلسة على البحر، تشحن روحك بالطاقة الإيجابية. فأنت جزء من هذا الكون، سخره الله لك، فلماذا تقطع نفسك عنه؟ لماذا لا تستمتع بما وهبك الله من منح ونعم مجانية؟ الانسحاب من ضجيج وروتين الحياة اليومية ولو دقائق تلمساً للسكينة يريح النفس ويذهب عنها بعض أعبائها.
– أن تعلم شخص آخر مهارة عملية أوحياتية. عندما تشارك من حولك خبرتك أو حكمتك فأنت تشاركهم جزءً غالياً من نفسك. ما أكتسبته من الحياة وتعلمته منها. فيفيض قلب من تعلمه شكراً وعرفاناً، ويمس قلبك وروحك من هذا الفيض بقدر إخلاص نيتك فيه. وحتى إن كان شخصاَ جاحداً فالله المطلع على القلوب يكافئك على حسن صنيعك سكينة وبِشراً!
– أن تتواصل مع من تحبهم ويحبونك. فتصل رحمك. تصل أصدقائك المخلصين. تصل معلميك. تصل من تحبهم وتحترمهم وتقدرهم. تصل من يهتمون صدقاً لأمرك. وتنأى بنفسك عمن تؤذيك معرفتهم فتقلل إختلاطك بهم. من نحبهم ونحترمهم ويهتمون لأمرنا يمنحونا السعادة والراحة والطاقة الإيجابية.
– أن تمارس نشاط رياضي بإنتظام، مهما قل 30 دقيقة من المشي يومياً تكفي ليفرز جسمك هرمونات السعادة ويهديء ضربات قلبك ويخفض من ضغطك!
– أن تذكر نفسك من أنت؟ من أنت فعلاً في أفضل صورك؟ كيف تحب أن تكون؟ ما هي قيمك؟ وماذا يمثلك من أخلاق ومباديء؟! تتذكرها لتدير حياتك بما يتفق مع مبادئك وكل ما ينسجم معها وتنأى بها عن كل ما يشعثها ويعبث بهدؤها.
– أن تصل نفسك بمن يشاركك نفس القيم. فالقيم الإنسانية عديدة ومتنوعة ومتضاربة! فعلى سبيل المثال العدل قيمة والتسامح قيمة أخرى. من يعتنق هذه ربما يقلل من تلك أو لا يستوعبها!
أعفِ نفسك هم نزاع كهذا لا ينتهي لصواب وخطأ فكلاهما يكمل الآخر وصواب في سياقه، لكن لكل نفس طبيعة وميل يحكم تفضيلاتها!.
دعم نفسك بالتواصل مع من تتفق أفكاره مع أفكارك فلا ينازعك فيما تعتقد ولا تشعر بوحدة أو تجبر نفسك أن تحيا حياة لا تشبهك ولا تعبر عنك!
– أن يملأ الأمل قلبك. فالأمل صنوا الإيمان. هو ثقتك في قدرة الله و حكمته وحسن تدبيره. ثقتك أن كل ما حدث ويحدث وسيحدث هو الخير. وأنك في جميع الأحوال والظروف في عين الله ورعايته فتطمأن نفسك وتهدأ.
الأنشطة السابقة ليست وجهة نظر شخصية ولا نصوص أدبية حالمة ولا “تنمية بشرية” جوفاء، لكنها نتائج أبحاث وتجارب سنوات طويلة قادها أستاذ الإدارة وعلم النفس دكتور ريتشارد بوياتزس لما يزيد عن ثلاثين عاماً .
أستمعت إليه وإلى تجاربه ونتائجها والتي يمكن تلخيصها في أنه كلما تحامق الإنسان كلما تعبت روحه وعاقبه جسده بكيماويات “تهدمه”، و”تمرضه!
وكلما أحسن لنفسه ولمن حوله باللين والتسامح، وحسن الخلق، والعطاء، كلما أرتاحت نفسه وكافئه جسده بهرمونات السعادة وما يعضد جهازه المناعي ويحميه من الأمراض!
“الذكاء الاجتماعي العاطفي” مهارة حياتية ومهنية ضرورية تتقنها بالإحسان لغيرك فتحسن لنفسك وقد خلق الله أجسادنا بما يجعل الإحسان ضرورة لبقائها كما هو ضرورة لسعادة الروح. الإحسان إحسان لنفسك أولاً وليس فضلاً تتفضل به على من حولك!
وأنا أستمع إلى محاضرات بوياتزس وأشاهد الرسوم المقطعية للمخ التي تبين أثر العطاء واللين والتسامح وأثر الغضب والأنانية والمشاعر السلبية على مراكز المخ المختلفة وعلى إفراز هرمونات الجسم تذكرت الكثير من الآيات القرآنية التي تكرر فيها معنى أن ما يقدمه الإنسان من خير فلنفسه وما يقترفه من الإثم والعدوان فعليها!
كنت أفهم تلك الآيات من منظور الثواب الذي ينتظر المحسن والعقاب الذي ينتظر المسيء في الآخرة أو حتى في تدابير الله في حياتنا اليومية.
لكن أن يكون الثواب والعقاب قيد التطبيق لحظة بلحظة وبهذا الشكل المحكم فيتولى عقلك حسابك أولاً بأول، فيصدر من الأوامر ويطلق من الكيماويات ما يهدم الجسم ويجعله فريسة سائغة للأمراض أو يكافئه بمشاعر السعادة ويهبه من القوة ما يقاوم به الأمراض فهو ما لم أكن أعرفه ولم يخطر لي ببال.
أحسنوا لأنفسكم ولمن حولكم، وتذكروا قوله تعالى: “وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى”.

لست محور الكون … (2)
by
Comments
رد واحد على “لست محور الكون … (2)”
-
[…] كيف نطبقها ونستفيد منها؟ أستعرضها بالتفصيل معكم في تدوينة تالية؛بإذن […]
إعجابإعجاب
اترك تعليقًا