جائتني مكالمة ترويجية من شركة لما أتعامل معها منذ ما يزيد على خمس سنوات، الشركة تعمل في مجال ثقافي، حيث تقوم بنشر ملخصات الكتب الخاصة بعلوم الإدارة وقطاع الأعمال عموماً. معرفتي بهذه الشركة بدأت وأنا طالبة في الأكاديمية، كان أحد أساتذة العلوم الإدارية -أعتقد أنه كان من مؤسسي الشركة- قد زكى عملها وشاركنا ما تقوم به من ملخصات كانت وقتها ورقية. كان منتج الشركة ما يشبه الصحيفة المصغرة التي تصدر شهرياً وتحتوي على خلاصة أكثرمن كتاب إداري حديث، أو على الأقل من الصعب أن تحصل عليه وتقرأه وتستوعب ما في هذه الصفحات دون أن تنفق ثروة صغيرة. تطورت الشركة مع تطور العصر وأدخلت التكنولوجيا في عملها فأصبحت الأوراق ملف اليكتروني وأصبحت البضع ورقات التي تأتيك شهرياً مطبوعة مصحوبة بإشتراك إليكتروني يفتح أمامك مكتبة الشركة وجميع ملفاتها وفق مستوى إشتراكك.
إستخدمت هذه الخدمات بصفة شخصية خلال عملي وأفدت منها كثيراً وكنت بالفعل “زبونة” عندها ولاء للشركة ومقدرة ما تقدمه من خدمة وقيمة. مع الوقت والتطور والمنصات تضائلت ما تقدمه الشركة أمام ما يمكنك أن تصل إليه بنفسك من خدمات مشابهة ومجانية.
عندما حدثتني مندوبة التسويق محاولة إقناعي بإعادة الإشتراك والذي قطعته منذ سنوات، نويت بيني وبين نفسي “مجاملتها” بإشتراك قصير، لأني أعرف أن ما تقدمه الشركة ذو قيمة، وأن كل القطاعات تعاني إنخفاض المبيعات فما بالك بقطاع الثقافة والذي يعتبره الكثيرون “ثانوي” غير ذي أهمية، فقد ينفق الناس على شراء حذاء مبلغ وقدره ويترددون في دفع نفس المبلغ في كتاب.
المهم طلبت منها أن ترسل لي نظم الإشتراك ووعدتها أني سأراجعها، وكما قلت كانت نيتي أن اشترك ولو شهر واحد دعماً للشركة.
جائتني الرسالة والصدمة، الشركة تعيش في غيبوبة خارج السوق. لا تعرف أن هناك إشتراك على أمازون ندفع فيه 9 دولارات شهرياً يُمكنك من قراءة اي عدد من الكتب في كافة المجالات، عن طريق الاستعارة الاليكترونية، ليس هناك حدود لعدد الكتب كل ما في الأمر انك لا يمكنك استعارة اكثر من 10 كتب في ذات الوقت. انته من كتاب واستبدله وإذا قرأت كل يوم كتاب أو عشرة فحسن لا شيء عليك ولن تدفع أكثر من الاشتراك الشهري.
في العروض الترويجية قد تشترك ثلاث شهور بتكلفة شهر وبدون أي قيود إضافية على إستخدامك للموقع.
لا تعرف الشركة أن ملخصات هارفارد الادارية تكلفتها السنوية 720 جنيه وتتيح لك كل ما تقدمه الشركة من ملخصات حديثة وكل ما يوجد في أرشيفها، هذا المبلغ يعني انك تدفع 2 جنيه يومياً لإستخدام كل ما تحتويه مكتبة هارفارد الادارية، وفي فترة الخصومات كالبلاك الفرايداي اليوم، تقدم خصم 50% ليصبح ما تدفعه يومياً اقل من جنيه.
فتخيلوا معي قيمة إشتراك الشركة “العتيقة” العريقة الذي أدهشتني به مندوبة المبيعات؟
أقل إشتراك متاح وهو الإشتراك السنوي 250 دولار أي أن تكلفته الشهرية تزيد عن العشرين دولار لتكون هذه التكلفة الشهرية هي نفسها ما يمكنك دفعه لإشتراك “سنة” كاملة في ملخصات هارفارد !
نموذج بسيط عن فداحة تأخرنا عن متابعة ما يجري حولنا، عن التغيرات التي تمس جوهر ما نقدمه ونغفل عن متغيراته. هذه الشركة كانت “رائدة” في أوائل التسعينات وأنا طالبة جامعية، وكان ما تقدمه فريد ومميز ويستحق المال ورغم أني لا أذكر مبلغ الإشتراك الأول لكني على يقين أنه كان يقدم بسعر مناسب، وإلا لما كنت من مشتركيهم لسنوات وسنوات.
اليوم لا تقدم الشركة ما هو اقوى مما تقدمه ملخصات هارفارد أوأنفع مما يمكنك الاطلاع عليه بإشتراك شهري في مكتبة أمازون. ومع ذلك تسعر الشركة خدماتها بعيداً عن السوق وعن الواقع فماذا كانت النتيجة؟
بلوك لرقم الأستاذة سمر مندوبة مبيعات الشركة ! فكم بلوك وكم عميل فشلت في الوصول إليه؟ وهل من يديرونها ويسعرون خدماتها يعيشون معنا ويعرفون حقائق “السوق” الذي يعملون فيه أم أنهم عالقون في زمن التسعينات الجميل متوهمين أنهم لازالوا على قمة الريادة الثقافية؟!!
التنافسية شقان أن تقدم أفضل خدمة ممكنة وأن تقدمها بأنسب سعر لعملائك، وإلا فلن تجد لك مكان!
اترك تعليقًا