كتبت الأستاذة : رنا عمر
“
أنا لست أمًا لأحد ..
في السابق كنت مدفوعة برغبة في أن أكون أمًا لكل أصدقائي وحتى الذين لاأعرفهم، نعم كنت من تلك الفتيات اللائي يحاولن إيجاد الحلول لمشاكل الجميع مدفوعين برغبة في الإنقاذ القهري، وألقب الكل بأن هذا ابني او ابنتي التي لم انجبها، حتى لو كان عمره، أو عمرها أكبر من عمري، كان لدي شغف بمساعدة أي شخص حتى لو لم يستنجد بي، أو حتى لو لم يطلب المساعدة، وهذه الرغبة ظلت سنين طويلة تطاردني حتى دمرتني..
كلما دخلت علاقة سواء عاطفية، أو صداقة، سبقني عطائي، دخلت بكامل مشمشي، الذي كان يجعل من هذه العلاقة علاقة متفردة، لكنها أيضا تكون متفردة في الأذى، أن تصنع من نفسك سجادة ليمشي عليها الآخرين، أن تعطي أكثر مما ينبغي، أن تحب أكثر مما ينبغي، يعني أن تتلقى الأذى اكثر مما ينبغي، ثم تُهجر أقل مما ينبغي، بلا سعر..
الكثير من قول نعم حتى وأنت لا تستطيع الوفاء بهذه الـ نعمالكثير من قول نعم حتى وأنت تريد أن تنطقها لا لكن لتصبح فقط شخص مميز في عيون الآخرين.. كنت أتعجب لماذا تنتهي كل العلاقات بذاك الشكل المتكرر المؤلم ، بالرغم من المجهود الخرافي الذي أبذله فيها لتحيا، حتى خطبتي الوحيدة، الشيء المهم الذي تمنيت أن يدوم ..
لماذا أعطيهم نفسي ، ثم أجدني أقبض على الماء.. لم يكن الوصول للقاع سهلا لكنه كان قريبا جدا، لم تكن الحكاية الأهم هي التي ألقت بي هناك، بل الحكاية الأقل والأضعف ، كانت القشة التي لم تقسم ظهر البعير، بل استبدلت البعير، ببني آدم، وأعادت بناؤه .. منذ خمس أعوام بالتحديد.. توقف العالم عند لحظة بعينها (مثل فيلم ماتريكس) أقسمت أن تلك اللحظة لن تمر، دون إدراك لكل ما سبق..
وكان هذا منذ زمن بعيد، أدركت أن عليَّ التوقف لوقت مناسب.ومن هنا بدأت رحلتي.. إلى الداخل تركت كل الأصوات الخارجية، الصخب، التشويش، وبدأت في الاستماع فقط إلى كل ما هو داخلي.. اكتشفت أن ..المشكلة ليست في العلاقات، ولا الأشخاص، ولا في شخصي، المشكلة في فهمي لمعنى العطاء ، والتصرف حيال الأمر..
برمجة العلاقة في وجداني، كانت تعني العطاء الذي لاحدود له، وعلمت لاحقا أن ذلك ربما يصل لنوع من السيطرة من خلال العطاء، كلما أغدقت، لن يستطيع الآخر المقاومة، فلا يبتعد عنك.. كلما كانت الخيوط كلها في يدك، كلما كان الآخر لك وحدك.. هو الخوف من الفقد.. وقد كان تاريخ الفقد كبير بالفعل يستحق أن تخاف منه.. ثم..
جاءت لحظة التنوير، الكثير من المجهود المبذول للمعرفة، الكثير من المجهود المبذول للعمل على ماهو مؤلمإعادة تعريف للمعاني، ومن ثم إعادة صياغة للأفكار، وعليها إعادة صياغة للسلوك.. لم يكن ذلك أبدًا بالشيء السهل، ولا المُريح، كلما انتهيت من تقشير طبقة، وجدت الطبقة التي تليها أسمك، وأكثر عمقًا.. يسمون هذه الحالة بأسماء عدةبعضهم يقول إنه الوعيوالبعض الآخر يقول النضجغالبيتهم يتحدثون عن مرحلة الثلاثينات وتأثيرهاربما هو الهدى.. والنور الذي نرجوه من الله حين نُخلص للفكرةونسعى في الطريق.. أما عني فأسميه : التوازن الذي نبحث عنه الآن أرى الصورة بوضوح أكثر..
– لم أعد أتحرك للمساعدة إلا إذا طُلبت مني بشكل مباشر وليست في المطلق ولا اتطوع إلا في أضيق الحدود-
لم أعد أبذل إلا وسعي فقط، وأدخر لنفسي جزءًا منه- عندما لا أستطيع المساعدة، أقول ذلك بوضوح- أدركت محدوديتي، وأنني بشر
– رسمت حدودي الجديدة، وأدركت حدود الآخر التي يجب ألا أتعداها
– أعدت صياغة حقوقي وواجباتي.. ومنذ ذلك الحين، لم أعد أمًا لأحد..”
وأغلب من يلتفون حول هذه الشخصية يدعون “المحبة” و التمسك بالصداقة، الشراكة، الزواج ،الحب …إلخ وفي الواقع لا يتمسكون إلا “بالكنز” الناهلين منه بلا ثمن، ولا يحبون إلا “مصالحهم” سواء كانت مادية أو معنوية.
محبتهم المزعومة ملعونة أو كما قال أحدهم: “The cat loves the bird. The kind of love that break wings and tear limbs.”
القطة تحب العصفور، ذلك الحب الذي يكسر الأجنحة ويمزق الأوصال.
العطاء والإحسان جميل ، والحد الفاصل الا يؤذي الإنسان نفسه تحت أي مُسمى.
اترك تعليقًا