في عام 2008 نشر الكاتب و الفيلسوف البريطاني المعاصر جوليان باجيني كتابه :
“ Welcome to Everytown: A Journey into the English Mind, What’s It All About?: Philosophy and the Meaning of Life
حيث سجل فيه تجربته في الإقامة ستة أشهر في مدينة “روثرهام” جنوب يوركشاير وهي مدينة يمثل المواطن فيها المواطن البريطاني البسيط أو بمعنى آخر يمثل سكانها “العوام” في بريطانيا .
خرج جوليان من فقاعة النخبة وتعرف على حياة الأغلبية من الطبقة العاملة التي تؤمن بقيم إحترام الأسرة وبالعدل كمفاهيم عامة لكنها لا تقبل بكثير من القوانين التي تضمن المساواة وتحترم إختلاف الثقافات وتنوعها.
عائلات لا زالت تشاهد المسلسلات التليفزيونية ولا تهتم بالفنون “الأرقى” ؛ تفضل لعبة كرة القدم على لعبة الكريكيت؛ وتتابع برامج المسابقات والحوار ولا تكترث بالبرامج الثقافية العميقة؛ على حد وصفه.
وجد نفسه في مواقف عديد أن عليه كظم غيظه وإخفاء دهشته، كأن ينصحه أحدهم بأن أفضل وقت للتعرف على إمرأة وهي ثملة وفاقدة لوعيها. أو يشكوا له آخر أن المطعم المجاور أضاف صنفاً هندياً إلى قائمة الطعام وأن في ذلك ضياع للتراث الإنجليزي في الأكل.
كان الكتاب صرخة تحذير قوية من إتساع الهوة بين عموم الشعب وبين من يتحدثون بإسمه ويتصدرون المشهد من المثقفين وأصحاب الأعمال وقيادات الإعلام.
ما كتبه “باجيني” منذ ثمانية أعوام(*) لا يجعل التصويت الخروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي مفاجأة. المفاجأة الحقيقية هي غفلة من تصدروا المشهد وتجاهلهم للأغلبية التي لا يمثلونها ولا يعرفون عنها وعن حياتها ومشاكلها شيئاً.
من بريكسيت إلى فوز دونالد ترامب إلى فوز اليمين “المتطرف” في فرنسا إلى عودة الجماعات الإرهابية بأسماء جديدة وبأفعال أكثر بشاعة.
في كل بقاع الأرض عادت الأراء المتجاهلة عمداً والمتبرأ منهم. كثعبان أكبر حجماً وأكثر شراسة؛ تطل على من تجاهلوها حاملة لهم الرعب والصدمة والخسائر. لتفجر فقاعة أولئك المؤمنين بتعدد الثقافات والمساواة وإمتزاج الحضارات وقبول الآخر لتفاجئهم بأنهم “أقلية”
ربما يحتاج المثقفين أو النخبة أن يحذوا حذوا “جوليان باجيني” وبدلاً من لعن الظلام ينزلوا من أبراجهم العاجية ليستكشفوا شعوبهم وإحتياجاتهم ومخاوفهم وأولوياتهم ويفكروا في كيفية تلبيتها لا تجاهلها أو التعالي عليها. ربما عندها سنصل إلى حلول “واقعية” تكبح جماح ثعابين الغضب في عالمنا المشرف على الهاوية.
—
مقال قديم تعليقاً على نتائج التصويت لخروج بريطانيا من الإتحاد ألأوربي(*)
اترك تعليقًا