في مقالات سابقة شرحت تدريبات تزيد من إدراكنا للمشاعر التي نمر بها، كذلك تدريبات على كيفية التخلص من مشاعرنا السلبية.
من أبرز علامات الذكاء العاطفي القدرة على التحكم في ردود الفعل. وكل ما سبق من تدريبات يفيد في هذا الصدد، ومما يضاعف من هذه القدرة ممارسة “التأمل” فللأسف وبسبب ضغوط الحياة وسرعة إيقاعها، تمضي بنا الساعات والأيام ونحن في حالة غيبوبة، نتحرك ونتصرف بآلية ودون إنتباه كافي.
لم نعد ننتبه بما يكفي لأنفسنا ومن حولنا على حد السواء. مهارة اليوم هي “التركيز والتأمل” إنتبه لكل كلمة تقولها، ولكل كلمة تسمعها، إنتبه لمن يتحدث إليك، لمن يطلب منك طلب دون أن يطلب !
لمن يبتسم وهو حزين، ومن يلهو وهو متألم، لا ترضى بظاهر الأمور، وراقب كل ذلك في نفسك. ماذا تشعر “حقاً” هل تعرف؟ هل تهتم أن تعرف؟ أم أصبحت تحيا كآلة تنفذ روتين لا يتغيروتتفاعل مع ما حولها دون تركيز.
أتذكر صديقة تجهد نفسها في العمل، ما أن نبهتها لذلك حتى قالت : “أنا بخير، وقادرة على القيام بكل ما أقوم به، فقط أشعر أني أصبحت آلة”
ما أقسى تلك الكلمات وأصدقها، لصديقتي أسبابها المقنعة لكن عدم التوقف والإنتباه للنفس في الوقت المناسب ومنحها رعاية مستحقة له ثمن، تدفعه كل يوم. أعصاب محترقة، روح مستهلكة، صحة تتهاوى يوماً بعد آخر. فهل الأمر يستحق؟
تدريب لإعادة التواصل مع النفس: خصص دقائق في موعد ثابت كل يوم وأختلي بنفسك فيها، كيف تشعر الأن؟ هل لديك أحكام على شعورك؟، كيف يشعر جسدك؟ تقبل ما تشعر به أياً كان. ما هي حالتك الذهنية؟ مشوش؟ تفكر في موضوع ما؟ قرر أنك ستجلس في هدوء ولن تفكر في أي شيء لمدة من 5 إلى 15 دقيقة، أجلس أو أستلقي خذ الوضع الذي يريحك، ستعرف أي أماكن في جسمك متوترة وأطلب منها الإسترخاء، انتبه لأنفاسك، انتبه لحرارة الغرفة كيف هي؟ باردة؟ حارة؟ معتدلة؟، أنصت للأصوات حولك، ماذا تسمع؟ تنفس بعمق وأسترخاء.
تدريب إستشعار نعمة الطعام: لا تتناول طعامك وأنت تعمل أو تقوم بشيء آخر في نفس الوقت. تعامل مع النعمة بالتقدير، أنظر إلى طعامك وتأمل الألوان واستشعر ملمس كل صنف. أغمض عينيك وأقترب من الطعام وإستنشق رائحته وتعرف عليها جيدا. تناول الطعام ببطء ضعه على لسانك دون مضغ وإسال نفسك أريد هذا الطعام؟ انتبه لردك. أمضغ على مهل مع الإنتباه لنكهات مكونات الطعام المختلفة في فمك وكم من الوقت تمضيه في مضغ الطعام. هذا التمرين ساعد الكثيرين على فقد الوزن الزائد!
قد تبدوا هذه التدريبات غريبة، لكنها بالفعل ذات أثر كبير على إعادة الحياة إلى “الآلات” التي تحولنا إليها بعد أن رضينا أن ندخل طاحونة الحياة مستسلمين لسرعتها ودورانها الذي لا يتوقف.
هذه التدريبات وهذا العلم “غربي” لكن ويا للعجب التدبر أو التأمل هو الفريضة الغائبة التي هجرناها ولم نعد نمارسها.
القرآن ذاخر بالآيات التي تحض على التفكير والتدبر والإنتباه لكل شيء.
قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190].
قَالَ تَعَالى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: 4].
قَالَ تَعَالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [العنكبوت: 19].
قَالَ تَعَالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ﴾ [الغاشية: 17 – 21].
وفي الأثر : “تفكر ساعة خير من قيام ليلة”
لسنا الآت ولا يجب أن نترك أنفسنا للإهمال حتى نهلكها،ولا أن نعتاد نعم الله علينا حتى نجحدها!
اترك تعليقًا