منذ ستة أعوام وفي غرفة بفندق هوليداي إن بنيويورك جمعتني الصدفة بكتاب First Things First. كنت أنهي عملي وأعود مسرعة أقرأ ما كتبه ستيفن كوفي وهو واحد ممن أعتبرهم “معلمين” حقيقين أصحاب الحكمة والرؤية. أنتهت رحلة العمل ولم أنته من الكتاب، الذي أثر في جداً وغير مسار حياتي، ولم أغادر نيويورك إلا وقد إقتنيت نسخة منه لازالت هذه النسخة حاضرة أمام عيني ولا ينافسها في إعادة القراءة إلا القرآن الكريم.
للكتاب قصة، ألفه كوفي بعد أن أسرت إليه ابنته وهي في أول خطواتها كأم شابة بضيقها بالطفل الصغير المعتمد عليها إعتماد كلي، أسرت إليه بشعورها بالتمزق بين مشاعرها كأم محبة لوليدها وشعورها بأنه يعطلها عن الكثير وأنها لم تعد قادرة على إنجاز الكثير وهي الشخصية المميزة الناجحة.
كانت رسالة كوفي الأساسية في الكتاب أن علينا أن نفهم أن الإنسان يمر بأطوار مختلفة ومراحل عمرية متعددة في كل مرحلة تتغير أولوياته وعليه أن يغير من تعريفه للإنجاز والنجاح والتميز.
وأوضح كوفي أن هناك أنشطة مهمة وأخرى عاجلة، وأننا نشقى عندما نهمل المهم لصالح العاجل. ردك على مكالمة هاتفية أمر عاجل، وإلتفاتك إلى إبنك الذي يقاطع المكالمة باكياً أمر مهم. عادة ما نختار العاجل ونترك المهم. يندرج تحت ذلك تقديم يوم العمل العادي على حضور مناسبة عائلية لن تتكرر.
الكتاب أكثر من رائع وبالفعل يغير الكثير من أفكار الانسان عن النجاح، والإنشغال، وكيفية تقييم الانسان لعلاقاته مقارنة بعمله.
ويبقى السؤال كيف نحيا حياة متزنة غير مشحونة بالضغوط واحتراق الاعصاب في انتظار فترات الاجازة التي نهرب فيها من كل ذلك؟
الخطوة الأولى: علاقاتك هي الأولوية:
مهما كان عملك أو منصبك، صلتك بأسرتك وأهلك ومن تحبهم لابد أن تتصدر سلم أولوياتك. وبدون ذلك ستعيش في شقاء مهما فعلت. كلنا نعرف أهمية علاقتنا الشخصية لكن لأن لا أحد يحاسبك على تفويت واجب أسري تهمل فيه وتقدم عليه أمور أخرى هناك من يحاسبك عليها. ما لا تنتبه إليه أنك ستحاسب نفسك إن عاجلاً أو آجلا وان الفواتير المؤجلة تسدد كاملة يوما ما.
الخطوة الثانية: خفف أحمالك:
كلما زادت مقتناياتك، كلما احتجت طاقة ووقت أكبر للعناية بها. قلل ما تملك وستجد نفسك تنفق وقت أقل في التنظيف، الترتيب، وستجد مساحات من الراحة تتنفس فيها بلا أشياء تنافسك وأعباء ترهقك. انتبه إلى أن كل ما نشتريه بلا ضرورة ونكدسه في الدواليب والأدراج هي محاولات بائسة لتعويض أنفسنا وإسعادها ولن تعرف أن العكس هو الأفضل حتى تجرب بنفسك أن تحيا في مساحات لا تزاحمك فيها الأشياء المكدسة.
الخطوة الثالثة: أعمل فيما تحب
لكل منا تصوره الخاص عن رسالته ودوره في الحياة، إذا توافرت لك إمكانية كسب عيشك من هذا الأمر فأنت من القلة المحظوظة التي بإمكانها أن تقضي وقت لطيف يسعدها وتحصل على أجر أو مكسب في نفس الوقت.
الخطوة الرابعة: حب ما تعمل:
قد يكون ما تحب القيام به غير كافي لكسب العيش أو غير مناسب لسبب أو آخر، البديل هنا أن تفكر وتحاول التعرف على كيفية مساهمة عملك الحالي في خير العالم؟ ربما يسهل عملك مهمة شخص آخر؟ ربما يعين على الوصول إلى هدف معين؟ … الوعي بكيف يساهم عملك في أن تكون الدنيا عالماً أفضل أمر مهم لإتزانك ورضاك عن نفسك. قد يكون الخير الذي تقدمه هو توفيرك حياة كريمة لأسرتك ومن تعولهم وقد يتعدى حدود ذلك لما هو أبعد. المهم أن تعرف أن عملك له عائد يتخطى المال الذي تكتسبه منه.
الخطوة الخامسة: أهتم بنفسك:
لا يسعد الإنسان فعلاً إلا بإسعاد من حوله وشعوره بأنه محبوب وله دور في حياتهم. ولا يمكنك أن تملأ أكواب الآخرين الفارغة وكوبك فارغ! يجب أن يكون كوبك ممتليء وفائض حتى يكون لديك ما تمنحه. إهتمامك بنفسك ليس أنانية ولكنه زيادة في قدرتك على العطاء، والتحمل، والمنح. فلا تهمل نفسك وتصبح كالسيارة التي يرفض سائقها التوقف لملء خزان الوقود توفيراً للوقت، ثم يضطر للتوقف تماماً في المكان الخطأ وفجأة لأن وقودها نفذ! توقف وأعد ملء خزان الوقود لتستكمل رحلتك وتصل لغايتك بسلام دون خسائر لك أو لمن حولك.
الخطوة السادسة: عش مراحل حياتك
كما ذكرت أنفاً كتب كوفي الكتاب ليساعد إبنته التي تخطوا أولى خطواتها كأم في إدراك أن الحياة مراحل، وأننا نعيش أدوار مختلفة طوال الوقت، ولكن هناك دائما دور بطولة يتصدر باقي الأدوار، وعلينا في كل مرحلة من العمر أن نقبل الدور المناسب ونترك له الصدارة دون تأفف ونزاعات نفسية، أن نتقبل أن تلك طبيعة الحياة وأن السير عكس التيار مؤذي ولن نخرق ناموس الكون مهما حاولنا، ولا ينبغي لنا ذلك فهي أفعال الحمقى لا الناجحين.
الخطوة السابعة: أيقن أن في المحنة منحة
المحن واقع لا مفر منه، فالدنيا دار إختبار. يشقى من يقابل المحن بالتسخط والغضب، لا سبيل للنجاة إلا بالرضا والهدوء والبحث عن الحكمة والدرس ومدافعة الخطوب بالعقل واليقين والصبر. ستوفر على نفسك طاقة كبيرة مهدرة وطاقة سلبية تنفثها فيمن حولك إذا صبرت ورضيت وبذلت جهدك وإنتظرت الفرج.
الخطوة الثامنة: أسعد الآن
لا تعلق سعادتك على شيء، ولا تؤجلها للغد. إستمتع بكل ما منحك الله اليوم. عندك عمل، أمتن لذلك، أمتن أنك تقضي يومك في عمل نافع ولك منصب وتنتمي لشركة ذات سمعة. عندك زوج وأبناء أحمد الله أن من عليك بهم، أستمتع بمحبتهم وأمنحهم حبك واهتمامك وفكر فيمن يتمنى لو كانت له أسرة مثل أسرتك. فوق رأسك سقف ولدارك باب تغلقه عليك وأنت آمن، فكر فيمن تشردوا من بلادهم ويسألون الله ليل نهار الأمن والأمان. نعم الله سابغة استشعرها واستمتع بها ولا تجحد النعم إعتياداً حتى تسلب منك.
الحياة المثالية هي الحياة المتوازنة التي نراعي فيها من يعتمدون علينا ونراعي أنفسنا ونستشعر فضل الله علينا في كل ما نمر به، حياة لا نحتاج إلى الهرب منها والإختباء لإلتقاط الأنفاس.
اترك تعليقًا