لكل منا حكاياته الخاصة التي تكون شخصيته، حكايات بدأت قبل أن نعي معنى الحكي أو الكتابة. حكايات لم تسطر بالكلمات ولكن بالمشاعر التي غرسها في قلوبنا الغضة أقرب الناس إلينا، من إضطلعوا بمهمة تربيتنا ورعايتنا، حكايات كتبوها في معظم الأحوال دون إنتباه كاف إلى أنها حكايات العمر!
نقشوا في قلوبنا مشاهد شكلت من نكون، علمتنا من نحن؟ ما هو الحب؟ كيف نحصل عليه؟ ما المقبول؟ ما غير المقبول؟ ماذا يصنع قيمة للإنسان؟ ما قيمتنا عندهم؟ ما قيمتنا في الحياة؟
بعضنا محظوظ بأبوين كتبوا في قلبه قصة حب وإعتزاز، والبعض أقل حظاً لم يتقن أهله التعبير عن الحب فكتبوا قصص مشوشة تحتاج توضيح.
الأبوة والأمومة غريزة لا تحتاج تعلم، لكن التعبير عن الحب الأبوي يحتاج إنتباه ووعي. الأم التي تصرخ في اولادها وتنغص حياتهم بابشع الكلمات والأب الذي يعاقب أقسى عقاب ليلتزم الأبناء بسلوك معين أو يحققوا شيء معين، لا يفعلوا ذلك عن “كراهية” ولكن عن حب.
كل كلمة أو تصرف من الأب والأم نحو الأبناء مبعثه الحب والإهتمام حتى وإن لم يبدوا كذلك. بعضنا فريسة لضغوط الحياة يحيا كرد فعل طوال الوقت وبعضنا يقوده الخوف من المستقبل، ولا وقت ولا مساحة روحية عند هؤلاء أو هؤلاء للتفكير في كيف يؤثر ذلك على تصرفاتهم مع أولادهم، يفترضون أنهم حتى وإن قسوا فحبهم واضح للأبناء !
وإذا كان الكبير يعطي نفسه حق “توهم” أن الصغير يفهم دوافعه، فهل نلوم على “الطفل” إذا ما وصلته الصورة مشوشة وغير مفهومة؟ إذا توقف عند الأفعال واحتجب عن فهمه الحب خلفها؟ إذا تشوهت صورته عن نفسه وحل محلها تصور بأنه كي يُحب ويُقبل عليه أن “ينجح” في كذا أو أن يفعل كذا وكذا وإلا فهو بلا قيمة ولا يستحق الحب!
لا لوم على الأطفال عندما تتشوه أفكارهم عن أنفسهم أو يحملون في قلوبهم ضغينة على أهلهم فهم في النهاية لم “ينضجوا” بعد.
عندما ينضج هذا الطفل ويكبر عليه بذل الجهد لإستكمال القصة وتصحيحها والشفاء من نقصها! عليه النظر إليها والتفكير فيها بعين الشخص “البالغ”، وحكم العقل الناضج، بعين ترى الظروف المحيطة وتدخلها في الحسبان، عين ترى إرهاق الأم أو ضيق ذات يد الأب فتعذر تصرفاتهم وتشفق عليهم وعقل يحكم بإنصاف البالغ لا عقل الطفل الغير مدرك!
من يستطيعون إعادة كتابة قصصهم يحررون أنفسهم من الطفل المشاغب المجروح الساعي لجذب الإهتمام بتنغيص حياة من حوله. عندما يعيدون كتابة نسخة جديدة من الحكاية يربتون على كتفه يؤكدون له أنه محبوب وكان محبوب منذ ولد وإن أساء والديه التعبير عن الحب!
المشكلة أن الكثيرين يرفضون مساعدة أنفسهم ! يرفضون معالجة الجرح ويصرون أن “يدفع” شخصا ما الثمن! أن يدفع الأم/الأب ثمن ما اقترفوه. أو يقررون البقاء غاضبين. يقبلون بعناد القصة الناقصة ويتعاملون مع الحياة كلها والعلاقات جميعها بعيون الطفل المسيطر على شخصياتهم وتصرفاتهم.
عزيزي/عزيزتي بطل القصة المشوشة.. أعد كتابة قصتك بالتسامح والتفهم والرحمة والإحتساب بقدر ما تستطيع. أربت على جرحك وداوِ نفسك ، لا تكن أحمق فتصر أن تحيا بعقلية طفل وانت في العشرين أو الثلاثين أو الاربعين أو أياً كان عمرك اليوم!
إعادة كتابة قصتك هو انتصارك وفوزك على ظروفك الصعبة. تسامحك لن يعفي ابويك من ذنب اقترفاه سيحاسبهم الله بعدله وحكمته. لكن تسامحك سيحسن قصتك ويشفي جرحك.
لا تعش كطفل إذا أحب طالب/توقع أن يحبه الآخرون “بلا شروط”، أو يهتموا به بلا “حدود” وأن يفهموا إحتياجاته دون طلب، طفل يغضب ويطلب “المحايلة”.
طفل مطلوب ممن حوله تحمل ثورات غضبه، وأنانايته، وتهدئة هواجسه وتفسيراته الطفولية للأحداث والتي تصب إما في خانة أن من حوله “لا يحبونه/يستهينون به/يحتقرونه” أو في خانة أنه “معيب” لا يستحق الحب أو السعادة.
لقد كبرت، لم تعد طفلاً! اعد كتابة قصتك بعين “البالغ العاقل” الذي يرى الصورة كاملة.
لا تتجاهلها ولا تدفنها بداخلك، الجراح المهملة تتعفن ولا تشفى. لمصلحتك نظف الجرح وتحمل مواجهاته، وتحمل مسئوليتك.
.
إلقائك اللوم على أبويك كمبرر لبقائك طفلا لن يساعدك أن يكون لك حاضراً أفضل أو مستقبل أحسن.
إذا كانوا قد أخطأوا في حقك، فلا تخطيء أنت في حق نفسك وتظل أسيراً للطفل الجريح بداخلك وتسمح له بإفساد حياتك!
أعد كتابة قصتك .. من اليوم.
.
اترك تعليقًا