
كلمات تصف من يستحق الصداقة، وترشدك إلى حقوقها، وتقيك شر “المطففين” في صداقاتهم وتحذرك أن تكون منهم، هي من من أجمل ما قرأت عن الصداقة في كتاب أبو حيان التوحيدي البديع :”الصداقة والصديق”، وهو أشبه ببحث عن أحوال الصداقة فقد تضمن أسئلة طرحها أبو حيان وإجابات من أكابر عصره، ,وقد رصعه بالعديد من المراسلات بين الأصدقاء والتي فاضت بالجمال والبلاغة وحسن التعبير عن عاطفة نبيلة وخصال كريمة مندثرة.
في تعريف الصديق قال : “هو من سلم سره لك، وزين ظاهره بك، وبذل ذات يده عند حاجتك، وعف عن ذات يدك عند حاجته، يراك منصفا وإن كنت جائرا، ومفضلا وإن كنت ممانعا، رضاه منوط برضاك، وهواه محوط بهواك، إن ضللت هداك، وإن ظمئت رواك، وإن عجزت آداك، يبين عنك بالجسم والرسم، ويشاركك في القسم والوسم”
“هو الولي المُخلص، والوادُ المُصحِح، من إذا شد عقدة أوثقها، وإذا عقد مودة صدقها. الودود الذي يعذر أخاه ويؤثره على هواه”
وفي إختيار الصديق ينصح بمصاحبة من إذا أحسنت قال: الحمد لله الذي وفق هذا لما أرى، وإذا أسأت قال: الحمد لله الذي لم يُبلِه بأشد مما أرى.
وعن أثر مجالسة الأصدقاء قال: “الجليس الصالح كالسراج اللائح، والجليس الطالح للمرء فاضح، مجالسة الأشكال تدعوا إلى الوصال، ومجالسة الأضداد تذيب الأكباد”
ويقصد أن الصداقة بين المتشابهين في الطباع تدوم وتتصل بعكس صداقات المتضادين في الطباع.
وفي تبرير محبته الجمة لصديق مقرب قال: “وجدته متواضعا في علمه، هشا في نسكه، كتوماً لسره،حافظا لمرؤته، شفيقاً على خليطه، حسن الحديث في حينه، محمود الصمت في وقته، بعيد القرين في عصره، والله لو لم يكن فيه من هذه الاخلاق إلا واحدة لكان محبوبا ومقبولا”
ومن أجمل الرسائل ما كتبه أحدهم لصديقه: “حرسني الله من الشك في إخلاصك، وأعاذني من سوء التوكل عليك، وأجارني مما يوحش منك، ويباعد عنك”
هي عبارات موجزة جمع فيها كاتبها إخلاص الود والحرص على الوصل والحذر من التعلق!
وفي رسالة مصالحة كتب على ابن عبيدة لأحد أصدقائه: “قسم الله لنا من صفحك ما يتسع لتقصيرنا، ومن حلمك ما يردع سخطك عنا، ويعيد ما كان منك لنا، وزين ألفتنا بمعاودة وصلك، وإجتماعنا بزيارتك، وأيامنا الموحشة لغيبتك برؤينك، وسُرت بقربك القلوب وبحديثك الأسماع”
أحمد الله أن رزقني صديقات مخلصات، تسترجع ذاكرتي مواقف بيننا فلا تزيدهن السنوات إلا كمالاً و بهاءً في عيني، أجد في كل منهن ملمح مني، أو أجد في نفسي ملمح منهن، رفقة العمر وأقارب الروح، يربطنا ما لا توهنه مسافات أو تضعفه مشاغل الحياة ولا يتبدل خيره شراً لأي سبب لأنه لم يتأسس على غرض، فاللهم أدمها نعمة و أحفظها من الزوال.
اليوم أحتفل بميلاد صديقة عزيزة، أهديها مقال اليوم وأختمه بدعوات من قلبي قبل أن تكون من الكتاب: “زاد الله من عمري في عمرك، ورفعك إلى الدرجة الموازية لقدرك، وضاعف الكرامة والنعمة والسعادة لك، وقدمك في المحبوب قبلي، وقدمني للمحذور قبلك”، وكل عام وأنت إلى الله أقرب، وعلى طاعته أدوم، وكما تحبين وأكثر، كل عام وأنت بكل خير.
اترك تعليقًا