ماذا يستفيد قطاع الأعمال من مهارات الذكاء العاطفي؟!

Best-Companies-for-Leaders-compressor

الذكاء العاطفي أو الوجداني ومهارة التراحم يأتيان على رأس مهارات التوظيف في عصرنا الحالي وفق أحدث التوصيات في علوم الادارة وعلم النفس، وإن كانت تلك الحقيقة مقبولة ومفهومة في ثقافات أخرى، إلا أنها لا تقابل بنفس القبول والوعي في منطقتنا وبلادنا.

ترتبط المشاعر في ثقافتنا بالعلاقات الشخصية لا العملية ويرسخ في أذهاننا إعتقاد بأن بيئات العمل “الناجحة” والاشخاص المتمتعين “بالإحترافية” هم الصارمين ولا مكان للمشاعر في سياق العمل.

تلك النظرة القاصرة سببها الرئيسي والأول هو اللبس بين “الصرامة” و “الحزم” ، وبين المشاعر الهوجاء و الإنفعالات وبين المشاعر التي يحكمها “العقل”، أو بكلمات أخرى لا نعرف بما يكفي ولم نستوعب أهمية “الذكاء العاطفي” وأثره الكبير في كل مناحي الحياة بما في ذلك بيئة العمل.

وبعيدا عن “النظريات” الصماء ونصائح الوعظ والإرشاد، ما هو أثر العطف والتراحم والتصرفات الإنسانية في بيئات العمل فعلاً؟!

تجيب عن ذلك تجربة بحثية قامت بها جامعة كاليفورنيا في إحدى شركات الأعمال الخاصة على مدار شهرين، حيث تم تقسيم العاملين بها إلى ثلاث مجموعات، مجموعة تلعب دور “أهل العطاء” ومجموعة تتلقى هذا العطاءو مجموعة ثالثة لم يكونوا طرف مباشر في التجربة وإن لعبوا دور “المشاهدين” ولم يكلفوا بأي شيء ليتم إستخدامهم في مقارنة أثر التجربة على من شاركوا و من لم يشاركوا فيها.

وفق التجربة كان على فرد ممن يلعبون دور أهل العطاء أن يختار من قائمة بأسماء زملائه من سيتطوع بخدمتهم ثم من قائمة أخرى “للخدمات” 5 خدمات يقوم بها يومياً ،  ثم يجيب على بعض الأسئلة يسجل بها ما حدث.

كانت الخدمات أعمال بسيطة كدعوة لتناول كوب من القهوة، أو دردشة مع زميل يمر بيوم سيء أو يبدوا عليه التجهم، إلى جانب خدمات أكثر تعقيدا كمشاركة الخبرات العملية كتعليم الزميل كيفية أداء مهمة من مهام العمل على سبيل المثال وليس الحصر.

بعد أربعة أسابيع ظهرت الأثار الايجابية للتجربة، من تلقوا الخدمات من زملائهم تحسنت أمزجتهم وتحسنت نظرتهم إلى العمل، ودفعتهم تلك المشاعر إلى أن يقوموا بخدمة آخرين تلقائياً دون طلب وكأنهم بذلك ينشرون الإحسان الذي تلقوه.

من قاموا بإعطاء الخدمات حققوا عوائد نفسية إيجابية أعمق وأكثر تأثيرا حيث إنخفضت بينهم مؤشرات الإكتئاب، وزادت معدلات الرضا عن النفس والرضا الوظيفي و إستمرت تلك الآثار لعدة أشهر بعد إنتهاء التجربة.

المجموعة الثالثة التي لم تكن طرفا في التجربة فقد تأثر أفرادها تأثراً ايجابياً حيث شعروا بتحسن في أجواء العمل بصفة عامة.

عندما “تصح” نفسية العاملون بالشركة ترتفع إنتاجياتهم، يزداد ولائهم للشركة، تقل الأجازات المرضية، يقل “الإهمال” واللامبالاة. عندما تتحسن العلاقات الانسانية بينهم تقل “المكائد” و الدسائس وما يهدر في ذلك من وقت وطاقة وربما خسارات متعمدة للإيقاع بالغير.

عندما يصبح مكان العمل مكان “محبب” للنفس  ومصدر راحة نفسية يعطي الانسان ويجتهد قدر طاقته وبكل إخلاص.

كل ما سبق يصب في مصلحة الشركة وصاحب العمل، ولا سبيل لأن تتغير بيئات العمل إلا بتغير عقلية من يديرون وإقتناعهم بتلك القيم على المستوى الشخصي وممارستها كنموذج يحتذى به.

من أهم خطوات الإرتقاء ببيئة العمل أن يتمتع المديرين بذكاء عاطفي مرتفع، وأن يكون ذلك من معايير الترقي الأساسية. لأنه للأسف في معظم أماكن العمل لقب “المدير” لا يدل بالضرورة على إمتلاك صاحبه لملكات الإدارة.

الوصول للمنصب الإداري ربما يحدث بحكم مرور الزمان أو بفضل إتقان مهارات التملق أو القدرات الإستعراضية وجذب الأضواء أو خليط بين هذا وذاك. في أحسن الأحوال يكون المدير في ماضيه موظفاً متقناً لعمله وتخصصه “الفني” فيرقى إلى وظيفة “مدير” ليفشل فيها وتخسر الشركة الفني الناجح دون أن تكسب شيئاً!

على العكس تخسر عندما يحبط الموظف المتفوق الذي يفاجأ بأنه لا يملك المهارات اللازمة للمنصب الجديد ويكون أمامه إما الإعتراف بذلك ومحاولة التعلم وإكتساب ما ينقصه، أو يسلك سلوك مرضى ويحاول السيطرة على من يديرهم “بالسلطة” وحدها فيحيل حياتهم و “حياته” هو أيضاً إلى جحيم و مشاحنات وحروب لا تنتهي تكلف الشركة والافراد الكثير!

عملت في بيئات عمل مختلفة مصرية و دولية، حكومية وقطاع خاص و خدمية، وعلى تباين تلك البيئات كان الذكاء العاطفي للمدير هو ركن رئيسي في مدى فشل أو نجاح إدارته.

المدير الناجح “القائد”، هو من ينظر إليه أفراد فريقه نظرة إحترام ويرون فيه نموذجاً يحتذى .. أخلاقاً وإجتهاداً وذكاءً وقدرات على التواصل معهم. من يملك من الثقة بنفسه ما لا يحتاج معه إلى “إثبات” أنه صاحب الأمر والنهي والسلطة. من ينظر له الآخرون سواء كانوا مرؤسون أو زملاء نظرة تقدير، من يحرص على العلاقات الإنسانية ، ويهتم إهتمام حقيقي برفع مهارات وقدرات من حوله دون خوف منافسة أو إنسياق في حروب شخصية حمقاء.

من يحملون على عاتقهم إضافة إلى تحقيق الأهداف المنوطة بهم مهمة رفع كفاءة ومهارات من يعملون معهم ومساعدتهم في الوصول إلى أحسن نسخة من أنفسهم. هؤلاء من يحققون نجاحات أعمق وأكبر تأثيراً وليس نجاحاً مضلل لا تحسب فيه تكلفة “حرق” وإستبدال العمالة المدربة و فرار الأكفاء عند أول فرصة تلوح لهم بسبب سوء الإدارة!

أنصح أصحاب رؤوس الأموال والمسئولين عن تعيين القيادات في أي مجال، بإختيار قيادات تتمتع بالذكاء العاطفي فتحقق نجاحات مستدامة، نجاح حقيقي يتضمن فعلاً حساب كل عوامل التكلفة والعائد فلا تضللكم نجاحات مؤقتة تخفي في باطنها إنهيارات لابد آتية لأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح!

Comments

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

%d مدونون معجبون بهذه: